Uncategorized · مراجعة كتاب

مراجعة كتاب: ما معنى الحياة في العالم الحديث للوهيبي — الجزء الأخير

السلام عليكم، تدوينة اليوم اقتباس جزء يسير من أفكار الفصول الأربعة الأخيرة، مع التعليق عليها. هدف التدوينة تثبيت الفهم ومحاولة تحسين التعبير عنه، ودعوتكم يا كرام إلى قراءته.

🔹 تلخيص بعض أفكار الكتاب والتعليق عليها

مجموعة أفكار يسيرة جدًا من الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع، الفصول الأخيرة من كتاب معنى الحياة في العالم الحديث، للمؤلف عبدالله الوهيبي وفقه الله، من مركز تكوين وفقهم الله. هدف التدوينة –كما ذكرت في الجزء الأول– تبسيط سبعة من أفكار الكتاب، وتلخيصها بإسلوبي. وأدعوكم لقراءته، نصيحة لا تحذير: لا يناسب الراغبين بكتاب ممتع، سهل جدًا، وسريع الانتهاء منه. انظر التغريدة، مع التوضيح أن آخر جملة تعبّر عن رأي شخصي.

🔹 ظاهرة المسرّات الصغيرة فـ٦

يتحدث الفصل السادس عن ظاهرة المسرات الصغيرة، والمشاعر المكثّفة التي يشعر بها الفرد المعاصر، فمن مراحل إخراج المشاعر التحرر من الإكراهات الاجتماعية التي تجبر الأفراد على الآداب العامة وكبت المشاعر الحقيقية -كبت الغضب والتخلّق بالابتسامة رغم الغضب مثالًا- ثم فكرة تجريد الدين من أثره الديني والدنيوي، وتصوير العبادات الدينية في المشاهد الأفلام والمسلسلات إلى تجربة باهتة، واستبدالها بطقوس روحية كطقوس التأمل والشاكرات وقانون الجذب مثالًا، وختم بأخر جزئين الحديث عن زواج الحب، بداياته وأثاره السلبية والاجتماعية الغربية، وارتباطها بالحرية -وهو شعار المعاصرين الغرب والعرب اليوم- وعلاقته بتحقيق الذات، فإن الموافقة على الشريك -شرعًا لا يسمّى الزوج بالشريك، فإن الزوج لا يساوي المرأة بالحقوق والواجبات حتى يسمون بالشريك وشريكة- يجب أن يخرج من عمق الذات ويصبّ في مصلحتها.

انظر لرقم (٩٥) توضيح ما كُتب: من سلبيات زواج الحب الغربي أنه يشوّه تاريخ العلاقات التقليدية الغربية وهو الزواج التقليدي الغربي الذي يكون دون لقاء أو معرفة وتواصل سابق -عجبًا- وتحريف تاريخ النظام الأسري و واقعه في المجتمعات العربية، أي من عبارات الشباب -ذكور وإناث- اليوم التقليل من طريقة زواج الوالدين والأقارب و وصفها بأنها “اكشط واربح” متفاخرًا بتقليده اختراع غربي قبيح الآثار.
تجديد مشاعر التعلق بالأشياء المحيطة = محاولة لإعادة السحر المفقود في العالم.

ظاهرة المسرّات الصغيرة ومعناها الاهتمام الشديد بالتفاصيل الصغيرة الخاصة بالإنسان، وهو ولعه بتجديد مشاعره اتجاه ما يحيط به من أشياء كالسرير والطاولة. وبالنسبة للقارئ يتولع بكتبه ومظهرها على الرفوف، وأقلامه وقصاصاته واكوابه، وطاولة القراءة، وربّما يجدد بعضها ويستعمل أخرى حتى يشتاق لأغراضه السابقة، ويبدّل بينهم، كما يبدّل أماكن القراءة مثلًا ويجرب مرة في المجلس ومرة في مقهى. بدأت هذه الظاهرة مطلع القرن العشرين وابتدأت كفكرة فرنسية. اخترت تدوينها بسبب انتشار عبارة “اتغذّى بالمسرّات الصغيرة” المنتشرة، وهو مفهوم مشكِل لأنه يعزز لدى الفرد المعاصر ذاته وتساعده في التمركزّ حولها، مما يزيد الفردانية بلّة إلى بلّة، وكأنه يعيش وحيدًا -الفرد الغربي، والعربي مقلّدًا- وينفرد بالسعادة والمسرّات بعيدًا عن عائلته وأصدقائه، كما نسميّها يمشي حاله بما يسعده، متجاهًلا أن السعادة المتشاركة هي الأجمل دائمًا.

🔹 الحب جواب المعنى! فـ٦

ذكر الكتاب بأن الإنسان المعاصر يرى أن الحب هو الإجابة الوحيدة التي توفّر له المعنى والحياة الطيبة صـ٣٠٢، التعليق: لا أعرف وجود إجابة الحب ولكن أعلق بألا وإنه بطبيعة حال المجتمع النسائي من حولنا، أصبحت الوظيفة -بلا التزام بالضوابط الشرعية- للمرأة والدعوة إليها في مجالسهن وفي تغريداتهن وعبر يوتيوب وغيره معنى الحياة الجديد، وكذلك حلم الوظيفة والتغني بها لمن هن في طريق البحث الشقي، هو معنى الحياة لهن، في حين “كانت” إكمال الدراسة الجامعية والزواج -وهو المثال الأوضح اليوم- هدف حياتهن الأكبر. نسأل الله السلامة والعافية.


🔹 الفنون والمشاعر التعبدية فـ٧

يتحدث الفصل السابع عن فكرة الفن بأشكاله كالموسيقى وتماثيل الشخصيات وغيره من التماثيل، واللوحات المسماة بالديكورات الفاخرة التي تملأ أماكن التعبد الكنائس مثالًا واضحًا، وما تسببه هذه الفنون في شعور المتعبد وهيجان مشاعره، وفي الجزء الأخير من الفصل يربط بين الفرد الحداثي وبين الفن، وهل تقدّم هذه الفنون المعاصرة جوابًا عن المعنى؟

ذكر الكتاب في الفصل السابع كلامًا عجيبًا على مَن حمى نفسه من الأفلام والمسلسلات، واقتبس منه: دخلت الفنون باختلافها كالتماثيل والموسيقى في الكنائس فشاعت فكرة الجمع بين الفن والدين، حتى جاءت إلى السماع الصوفي -نعوذ بالله- وهو مجموعة من الغناء والمعازف والرقص لتحصيل المعاني التعبدية وإخراج المشاعر الوجدانية صـ٣٢٩. والسماع الصوفي مراتب، أعلاها مرتبة التلذذ بسماع الفن، نعوذ بالله.

يظن كل قارئ هذا الجزء غير مهم أو أنه ومحيطه بعيدين عن هذه الاحوال، وإن كان ممن حمى نفسه من الأفلام والمسلسلات على اختلاف جنسياتها أن الكلام من كوكب آخر، لكنه وللأسف ينتشر في بعض البلدان، ويصوّر في كثير من الأفلام والمسلسلات، مشاهد التقرب لغير الله مثل القبور أو الرجل الصالح وسؤاله المطر وغيره، بحوارات شركية -نعوذ بالله – مثل مدد يا رسول الله، أو يا علي، مع حركات وحلقات رقص جماعية، مع رفع الرؤوس للأعلى. وقد شاهدت هذا الفيديو وصُدمت. فلنعتبر ونتمسك بالإنكار ما استطعنا من وسيلة. فإن الرجل أو الشيخ مهما كان صالحًا لا يُتقرّب إلبه حيًّا إو ميتًا بالعبادات كالدعاء باسمه وباسم الحاجة أو الذبح أمامه، ولا يُسأل جلب الرزق أو المطر أو دفع الضر أو علم الغيب، فإنه لا يعلم الغيب ولا يُطلب الخير إلا من الله المدبّر في الكون الرازق والخالق، تعالى الله عمّا يقولون علّوًا كبيرًا. وقد شاهدت هذا الفيديو وصُدمت. فلنعتبر ونترك مشاهدة هذه الأعمال المسمومة ونتبرأ إلى الله منها، ونتمسك بالإنكار ما استطعنا من وسيلة.

الدين والفن يقعان وراء الحياة المنظورة، فإن دين الإسلام يُكثر من ذكر الآخرة وأنها الدار الحقيقة الباقية، ويهدفان إلى تقريب الحياة إلى الفرد المعاصر، أي تشويقه إلى العالم العلوي وهو اللذات مما نسمع عنه بأسمائه وصفاته ولم نره، مثل الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة.


🔹 نيران الماضي والحاضر، والمستقبل! فـ٨

يتحدّث الفصل الثامن في الجزء الأول عن تغيّر اهتمام الناس بالماضي والحاضر، إلى محي الماشي واستبداله بالمستقبل، جلّ نظرهم للحاضر والمستقبل، وجعل الماضي تاريخًا مفصولًا عن حاضره، وهو مما تأثّر به الدعاة اليوم إلى “ركّز على يومك ولحظتك”، وفي الجزئين والثالث تحدّث عن فكرة الحضور الكامل منشأها وتأثيراتها على الفرد المعاصر المتذبذب بين حاضره والتفكير بمستقبله، فإنه يجد عبارة “عِش اليوم واترك الغد” مريحة ومسكّنة لقلقه عن المستقبل، ترددت هل اليوجا والتأمل -الزائف- من صورها أم أنها امتداد لفكرة الفردانية “اني اعيش حياة واحدة وتهمني سعادتي لا سعادة الآخرين” أم أني أخطأت الفهم ؟؟

فقد صار الفرد الحداثي يُصارع بين الماضي وهو المؤلم وبين المتقبل وهو الغامض المقلق وبين الحاضر المشوق ويسعى للسيطرة عليه. صـ٣٧٥

وذكر في الجزء الأخير من الفصل، مفهوم السردية وارتباطها بالمعنى الذي يؤمن به الفرد المعاصر، واستكمل في الفصل التاسع الحديث عن السردية المومنة والسردية القرآنية والسرديات العدمية وصفاتها، من أهمها، تتجاهل رغبة الإنسان إلى الخلود وشوقه إلى الحياة الأبدية، التي اهتمت بها السردية القرآنية وقد أجابت على أسئلة الإنسان وحاجاته، مثل تجاوز عمره الدنيوي القصير، وتوضّح فكرة موته الواقع.

الحضور المفرط للزمن اللحظي مع التسارع العصري يُفقد الإنسان تماسك ذاته فإن الحل المعاصر هو الاندفاع وراء خطابات عِش اليوم فقط، وخطابات الدعوة إلى الاستخفاف بالغد -تاركين فكرة توكّل الله وأن رزق الغد على الله وينادون بـ خلّي بكره لبكره- والانغماس بالجسد وتجاربه. صـ٣٨٣

فإني أطابق الاقتباس بسخافات اليوجا والتأمل المنتشرة، فإنها تدعو الإنسان إلى التركيز على لحظة الآن وتجاهل افكار الذهن المتكررة حتى في أوقات الضغط أو كثرة المهام ذات الوقت القصير، والتماس اللحظة الحالية والشعور بالأشياء المحيطة مثل الكوب الذي بين يديك -مثلًا- وصوت التلفزيون أو والإحساس بالراحة على الكرسي -مشهد تقريبي- وتفريغ الذهن ومجاهدة أفكاره حتى تستمتع بسماع المتكلّم أمامك، او تعيش لحظتك مع ما ذكرنا من أمور جامدة وستجد قوة داخلية -زائفة-، وهذا ملخّص الفكرة الذي تدعو الإنسان أن ينغمس في جسده ويجرب هذه الخرافات. بدّد ترددي أن تذكرت الفكرة العامة لكتاب (قوة الآن) المشهور، الذي يدعو لما ذكرت. ولخّصته من فيديو للمؤلف وفيديو لمن وجدت التأمل بدءًا من هذا الكتاب.

احذروا من التأمّل أيها القراء، فكل ما يقوله الفكر الغربي خطأ حتى يوصّب، لا صواب لا يحتمل الخطأ ويُدعى لتعلمه وقراءته ونشره دون تمحيص وتدقيق، احذروا فإنها بذرة فاسدة لنشأة تأليه الإنسان وما أسرع تحصيل الثمر أحيانًا! فلا وجود لكرة نارية صغيرة تُشع قوتها بسقايتها التركيز اللحظي! هذا من أكبر الخرافات. وأوقات الضغط وكثرة المهام لا تدعو الإنسان لتعلّم أساليبهم الزائفة، بل يتعلّم التوكل على الله ثم حسن إدارة الوقت والقيام بالمهام أو علاج الأفكار لا تجاهلها. وأذكركم -ونفسي- بأن التقرّب لله بأداء الصلوات المفروضة في أوقاتها والدعاء، والتزام الأذكار وتفويض الأمور لله تعالى والتبرأ من النفس، سبب للفوز باللهدوء والسكينة.، وكذلك سؤال الله طهارة القلب من الحقد والحسد. نسأل الله من فضله.


🔹 كل لذّة تريد الخلود. فـ٩

يتحدث الفصل التاسع في أحد أفكاره عن فكرة التناقضعلى حد تعبير المحلل الغربي- الذي يشعر به الإنسان لأنه نصف حيواني ونصف رمزي بمعنى مدرك لواقعه عارف لرغباته ولذاته -جمع لذة-، فإنه يتعرض إلى مختلف الأنشطة في اللحظة الواحدة دون إطار منقّي للاختيار بينهم. ويمكن استيعاب التناقض وتسليح الإنسان عبر الإيمان العميق، وتتجاهل ثقافة الحداثية -العلمانية- هذه الحقيقة بل وتنكر حاجة الإنسان الغريزية إلى الإيمان. ثم استكمل الحديث عن السردية العزيزة السردية القرآنية، والسرديات الباطلة، وختم الفصل بالفرق بين مَن يبحث عن مراد الله -تعالى- منه (مثل مَن عاش قبل الإسلام كزيد بن عمرو الذي قال: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم ثم يسجد على راحلته) ومَن يقوده هواه للبحث عن مراده من الله (كالباحثين عن الروحانيات والتجارب الدينية المفصولة عن العقائد، ولنا في التأمّل واليوجا شر مثال على ذلك) اللهم اجعلنا ممن يبحث عن مرادك منه، واعصمنا من شر أنفسنا وهوى أنفسنا.

هذا العلم المنظور -الدنيا- لا يُشبع النفس ولا تكفي لذّاته الزائلة إرواء هذا العطش الروحي، ولا يجيب رغبة النفس المتطلّعة للارتباط بالعالم العلوي.

يقول نتيشه: كل لذة تريد الخلو. بمعنى أن اللذة تفقد بعضًا من معانيها إذا لم تدم وتستمر، بمعنى أن دوامها واستمرارها واستمرار لحظة اللذة دوام معناها. اعتقاد الفناء (الموت) = استحالة السعادة، فإن الموت من أعظم الدوافع عند الانسان في البحث عن أمل بعالم آخر -وهي الدار الباقية عند المسلمين- بعيدًا عن العالم العبثي -تعبير المعاصرين اللادينيين- ففي الإيمان بالله -تعالى- في دين الإسلام والتقرّب إليه يحقق المسلم السعادة في الدنيا ويُكرمه الكريم -عزّ وجل- بكرمه ورحمته بالسعادة الكاملة في نعيم الجنّة، فالصلة بالله هي العلاقة التي تروي العطش الروحي عند الإنسان، لأنها جواب البحث عن الكمال المطلق والجمال التام الذي يتصفّ به الله جلّ وعلا.

🔹 السردية القرآنية، مقابل السرديات العدمية!
  • السردية القرآنية لا تتجلّى إلا إذا عُلمت غاية القرآن الأسمى، وهي دعوة العباد إلى ربهم، وعُرفت مقاصده، وهي:
  • تعريف الخلق بالله تعالى.
  • إعلامهم بالصراط المستقيم.
  • بيان الحال عند الوصول إلى الله سبحانه.
أختم بهذا الاقتباس المهم وهو رسالة للجميع صـ٤٢٩: الحب الفاضل هو ما كان لله وبالله، وهو الحب الوحيد الذي يقدّر له الخلود الأبدي ولا يضرّه الانقطاع بالموت، أما المحابّ الأرضية -وهو كل حب لا يرضي الله مثل صداقات الأثم والمنكرات وصداقات المصلحة- قلّما تخلو من التنغيص والكدر -لأنها لا تُرضي الله ولا تطمح لرضاه عزّ وجل-، فإن كمُلت -ولا تكمل- انقطعت عن قريب بملل أو موت أو فراق.

🔹 خاتمة

اخترت من كل فصل أهم المهم من أفكاره المذكورة، من الفصول الأربع الأخيرة، إن وفقت في تلخيصي فمن الله سبحانه، وإن اخطأت فمني ومن الشيطان، وإن اخطأت في شرحي فصححوا لي كرمًا. وجزى الله المؤلف والمركز خير الجزاء.

وفي ختام الكتاب، أقول -كما قلت في الجزء الأول- الفضل لله وحده ثم للكتاب في تحسّن مستواي القرائي ونضوج بعض الآراء الشخصية التي أكدّها الكتاب ونقد بعضها الآخر، فهو بفضل الله أفضل ما قرأت وسيبقى مع زيارة المعرض أجمل ذكرى، وفّق الله المؤلف والمركز لما يحبه ويرضاه، وكتب أجورهم. أكرمونا بتعليقاتكم.

انضم مع 1٬837 مشترك

أضف تعليق