مرحبا.. أتمنى أنكم بخير
بعد تدوينة زيارتي للمعرض، تحيّرت في أيّ الكتب ابدأ..
قررت البدء في رواية أيام وكتب ـــ عامٌ أول للمؤلف أحمد الحقيل (صاحب مدونة باسمه للوصول إليها) تقع في 209 صفحة، من دار روايات التابعة لمجموعة كلمات. تحكي عن شخصية ناصر الأربعيني الذي يصف نفسه بأنه عادي هامشي، نعيش معه في أجوائه العائلية مع زوجته نورة وابنته البكر رشا والبقية راشد وسحر ومنزل والدته وحوارات خاطفة مع إخوته وإخواته، وينتقل بنا إلى أجوائه الخاصة في المكتبة التي يسهب فيها بوصف أفكاره حول الموت مثلًا وفكرة الرفاهية والشقاء، وفكرة القراءة والأدباء، وفكرة الحـب.
نـاصـر وعلاقتـه بـ
- بأمه القلب واللسان الحنون، التي برغم شيّباته ما زالت تهتم بأن تكون الفاكهة التي ياكلها نظيفة ومغسولة! الأم يا أخي.
- بزوجته نورة .. هي أكثر شخص يفهمُهُ من نظرة وتعبير على الوجه، بالطبع خارج مكتبته مستودع أفكاره.
- تقول له رشا: “إنت تعاني من أزمة وجودية حتى لو تنكر هالشيء” يتناقشون لساعات في أفكار كهذه، علاقتهم أقرب للصداقة.
- بينه وبين ابنه راشد فجوة الأجيال التي نعاني منها، مهما حاول التقرّب إليه. تفاجأ أن ابنه يهابُه، لأنه توقع أن الفجوة سحقت مكانته.
- بسحر -ابنته الصغرى- الفتاة الصغيرة الفضوليـة التي كبـرت فجأة!
- بإخوانه وإخوته، علاقة تتجّدد كل إسبوع، في بيت والدتهم بسوالف روتينية، وعاصفة من إزعاج الأطفال.
- بالعمل وزملائه، بشوارع الرياض ومحلات أزمة وجودية أخرى، وملل متكرّر وحر مقّرِف.
نـاصـر وعلاقتـه بالمكتبـة
يعيش ناصر في المكتبة ساعات طويلة من يومه، يكتب عن تأملاته في بعض الافكار كالحب وقصصه وأقوال الأدبـاء وبعض الأشعار، ويعود بنا إلى مشاهد من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات، وعن قريش والشيطان في الإخوة كارامازوف. فمرةً يعلّق على عبارة الأستاذ الكبير العقاد “أقرأ لأن حياةً واحدةً لا تكفيني” فيقول: الكتب ليست حياة، هي كتب! الحياة هناك في الخارج، يجب أن تُعاش كما تريد ، والكتب أحد هذه الأشياء التي فيها.
كل فصل في حياته الواقعية، يُقابله فصل في المكتبة ولطالما أعدّت قراءة أسطر المكتبة الفلسفية والتأمّلية، حتى أصل لقلب الفكرة. كتب مرّةً عن ابن حزم الذي قال: ” فمَن أحبّ من نظرةِ واحدة، وأسرعَ العلاقة في لمحةٍ خاطرةٍ فهو دليلٌ على قلّةِ الصبر، ومُخبرٌ بسرعة السُّلوّ، وشاهدُ الطرافة والملل.”
عاد بنا ناصر إلى أيقونة من الزمن الجميل، وهي الرسائل الورقية، مع صاحبة مدونة في دولة أخرى، كانت جميلة وكان ينتقل في نفس الفصل مرةً برسالة ومرة بجزء من كتاب أو فكرةٍ ما. ولا أودّ أن ازيد حتى تبقى جميلة عندما تقرؤونها. وسأذكر كلمتي التالية على عموم التواصل ذو الدائرة اللامحدودة.
وأقول: من المحبط أن تشارِك أفكارك ومشاعرك المختلفة، ونظرتك لهذا الموضوع وذاك مع شخص بعيد، بالرغم من وجود مَن يهتمون بك في عائلتك أو أصدقائك، لكنّهم ربّما يقللون من مكانة المكتبة بالنسبة لك أو مشاركتك لمشاعر/ أو أفكار مقتبسة تودّ النقاش حولها، باعتقادي هو خلل في عملية التواصل في أي عائلة سعودية، وعنصر نودّ أن نضيفه إلى السوالف الروتينية التي لا يجمعنا سواها.
اقتباسـات من المكتبـة
الحب مثل الموت، فكرة قبل أن يكون تجربة. أليست هي كلمة ؟ وأليست كل كلمة تعتمد على المعنى الذي نربطه بها؟ وأليس المعنى ملكًا لنا نضعه أينما نشاء؟ إنه كلام، والكلام يزول، ويبقى الجسد.
لقد خُلق الإنسان في كَبَد،ولذا فإنه يتوقع الصراع، والتمنّع، والمناكفة في حياته. ولكن السعادة المستمرة المتولدة من اللحظة، مدعاة للتساؤل والتدبر والتوجّس. إنها ضد الحياة، بعكس التعاسة المتسقة معها أكثر.
الرفاهية مثلًا، في منتهى الخطورة تطبّعك على الأحقية، حتى تكاد تنسى أن الأصل في الحياة هو الحرمان، وأن أي نيل نَيل مكتسب.ولأنها ذروة النعيم، فمن الشاق أن ترفضها وألا تطلق يدها فيك.
الحياة تكمن في العادي، وأكثر العظيم – شخصًا كان أم حدثًا – هو نتيجة لسياق رتيب، متراكم، وبطيء غالبًا.
فـكرة المـوت
الكتابة في هذا الموضوع لا بد أن تكون من قلب تجربة قاسية وحزينة للغاية، لأنها ترجمت مشاعر أي فاقد. طرح ناصر فكرة الموت وفِراق الأحباب، والمواساة ممن حولنا، وعلاقة الطفولة بمفهوم موت أحدهم في صفحات طويلة، رائعة في كتابتها وترجمتها. قراءتها أبكتني بشدّة وذكّرتني بشعور النضج فجأة بعد وفاة الجد.
لكن هذا ليس الشيء الوحيد الذي تعلّمته، تعلّمت أيضًا أن الموت يجعلنا نحن الأحياء أنانيين أكثر!
حينما يموت أو يتأذى حبيب، تسير بين الناس ذاهلًا: كيف يعيشون وكأن شيئًا لم يكن؟ كيف يغيّر شيءٌ ما حياتي بهذا العنف، دون أن يخدش سياق هؤلاء الذين يوقدون الشارع عنفوانًا وألقًا؟
إدراك معنى الموت مثل إدراك معنى الحزن، دليلٌ على النضج، وفي اللحظة التي تفهمه فيها، تفقد طفولتك كاملة، وأريحيتك المستمدة من أن أخطر شيء قد يواجهك في الحياة هو الألم الحسي، وما عداه قابل للتجاوز.
قراءتي للرواية أشبعت جوعي الروائي بعد مدة طويلة مُنتظرة. وحرصت جدًا أن لا أحرِق شيئًا منها، وإنما مررت سريعًا على أهم ما في الرواية. كانت قراءة ماتعة، ومنتظرة لمُتابعي الأستاذ أحمد الحقيل على مدونته.
أتمنى أعجبتكم التدوينة، وشاركوني تعليقاتكم.
تشوقت للكتاب حين رأيت الكاتب يعلن عنه على تويتر، لكن يبدو أني لن أحصل عليه الآن… ومع هذه المراجعة المثيرة للإهتمام أتحسف على عدم اقتنائي له بعد.. الظاهر لغة الكتاب مناسبة لي ولذوقي القرائي.
على أية حال، أحب اقول لك أن الخلل في التواصل ليس في العائلات السعودية فقط، ولا حتى في العربية فقط بل في معظم بلاد الأرض، وأراها من جانب مختلف رحمة من الله، أن يجعل عزيز أشيائك مثيرًا بمشاركة وجدانية جديدة تجعله مميزًا بالنسبة لك أكثر.
كلامه عن الموت ترجمني بعنف.👌
شكرًا لهذه النبذة الجميلة، وعسى أن أقتنيه قريبًا وأتذكرك بدعوة💖
إعجابLiked by 1 person
تعلمين أني أحبّ تعليقاتك جدًا؟ أتمنى أن تسعدي بقراءتها قريبًا. وجهة نظرك في الموضوع صحيحة ومتفهمة للجانب الإنساني الذي يحزن لعدم وجود افراد يشاركهم. حقيقةً هو موضوع مثير للتفلسف أكثر من ذلك، أتمنى أن أكون ممن يطرح الأراء ويُناقشها، ربّما خجلي أو كلماتي لا تساعدني، ولكن تبادلها أكثر متعة معك 😍❤. العفو صديقتي وسعادتي بك متجددة🌷❤
إعجابLiked by 1 person
يا حبيبتي والله، ان شاء الله.
وبالفعل الموضوع مثير للتفلسف لأنه تقريبًايلح علينا طوال الوقت بعناد طفل.
حسب ما أرى ان المقالات الموضوعية ملعبك بما فيها من جدية وإيجاز، لذلك لم لا نتأمل بمقالات في المستقبل عن الفلسفة لك، الفلسفة الاجتماعية تحديدًا… بالتوفيق لك في كل ما تحبين😇💕
إعجابLiked by 1 person
اقتراحك جميل وتقلّب في عقلي طوال اليوم وأعجبني، وإن شاء الله سأنشغل بهذا الموضوع في الفترة القادمة إذا وجدت المواضيع والأفكار المناسبة، وبالتوفيق لك حبيبتي أسوم🌷🌷
إعجابLiked by 1 person